بداية تسييس الثقافة وأزمة كتاب الفقراء

معرض القاهرة للكتاب… بداية تسييس الثقافة وأزمة كتاب الفقراء

  • معرض القاهرة للكتاب… بداية تسييس الثقافة وأزمة كتاب الفقراء

ثقافة وفنون قبل 5 سنة

معرض القاهرة للكتاب… بداية تسييس الثقافة وأزمة كتاب الفقراء

عبر خمسين عاماً من فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، ارتبطت الثقافة بالسياسة ولم تنفصلا، ربما لأن الدورة الأولى للمعرض جاءت على خلفية حرب الاستنزاف عام 1969، حيث كان الهدف منصباً على خلق حدث ثقافي كبير، يجمع كل أطياف المثقفين تحت مظلة المعرفة والتنوير، ويعطي دلالة سياسية للعالم مفادها حيوية مصر واستقرارها ووحدة مثقفيها وترابط شعبها، لا سيما أن ظلال نكسة يونيو/حزيرلن كانت لا تزال تخيم على الأجواء في تلك الفترة العصيبة، ولم تكن انتصارات معارك الاستنزاف قد تبلورت بعد، وبالفعل استغل وزير الثقافة ثروت عكاشة آنذاك احتفالات مصر بالعيد الألفي للقاهرة وعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي بإقامة معرض للكتاب والإشراف عليه ودعوة المثقفين للمشاركة فيه، وعليه بدأت الدورة الأولى باشتعال الفكرة السياسية الوطنية الثقافية، وأقيم المعرض في أرض المعارض في الزمالك، ومنذ ذلك التاريخ صار البعد السياسي ملازماً للثقافة في كل دورة، وبرهنت إشارات ودلالات كثيرة على اندماج المكونين الرئيسين.

وبرزت عملية التفاعل الجماهيري مع الحدث الثقافي بوجهه السياسي الوطني في حرب أكتوبر/تشرين الأول فلم تخل فاعلية ثقافية من صدى النصر، وبدأت النشاطات الموازية لعملية بيع وشراء الكتب في التبلور والوضوح، بإقامة الندوات وتبادل وجهات النظر حول القضايا العامة وصلتها بالمواطن ومستقبل الوطن، وآفاق التواصل الثقافي مع القاهرة وبقية العواصم العربية، لمواجهة التحديات والأزمات الدولية المترتبة على الحرب، وصارت منهجية الفعالية الثقافية السنوية على هذا النحو ترصد كافة الانعطافات والتحولات على مختلف الأصعدة، وفي هذا السياق جاءت عاصفة كامب ديفيد لتعيد المثقفين إلى خندق المواجهة من جديد، وحدث الصدام بين الرئيس السادات وكبار الكُتاب والمفكرين، واتسعت الفجوة لسنوات، وانشطرت الكتلة الثقافية إلى نصفين ما بين مثقفين معارضين ومثقفين مؤيدين، وبهذا تأكد الطابع السياسي لمعرض الكتاب بدون فقدان هويته الأساسية كمناسبة دولية لحراك ثقافي واسع المجال والتأثير.

على الرغم من تصريحات رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده بأن تجار الكُتب هم من قاطعوا المعرض احتجاجاً على عملية التنظيم الجديدة، إلا أن الأزمة مازالت قائمة.

وتوالت الدورات مع الأحداث، ليزيد الدور الثقافي تفاعلاً، ولم تنل الأزمات ومؤشرات الصعود والهبوط في ترمومتر السياسة من حيثية المعرض ومكانته، بل تواصل النجاح بإيقاع منضبط، واتسعت دوائر الاستقبال والترحيب بالوفود العربية والدول المشاركة، واحتل ضيوف الشرف مكانتهم المستحقة على مدار خمسين عاماً، ليأتي دور جامعة الدول العربية لتكون ضيف الشرف، في تزامن مقصود مع الاحتفال باليوبيل الذهبي، في إشارة رمزية وحقيقية واضحة لمكانة الجامعة كبيت كبير للأشقاء العرب، وبطبيعة الحال وإيماناً بالقضية العادلة، رفعت الجامعة شعار- القدس عاصمة فلسطين ـ لتبقى الثقافة عنواناً متميزاً للقضية السياسية بكل أبعادها، حيث لا مجال للحديث عن تفاعل ثقافي عربي ـ عربي بغير التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني، وهوية القدس كعاصمة لفلسطين، وهي ذاتها خصوصية دمج الثقافة بالسياسة، وفق الأطر الشرعية والقانونية التي تسمح بتعادل مكونات المعرفة والتثقيف والتنوير داخل وعاء واحد.

وتبقى التفاصيل الخاصة بالدورة الخمسين موضع اهتمام وتدقيق، فهناك متغيران جديدان، أولهما نقل المعرض من مكانه المعهود في أرض المعارض في مدينة نصر، إلى أرض المعارض في التجمع الخامس، وهي المعضلة التي أخذت وقتاً طويلاً للمداولة وانتهت بالبدء في تجهيزات النقل الفعلي، في تجاهل لبعض الأصوات التي عارضت الفكرة من البداية، لبعد المسافة وصعوبة الوصول لمكان المعرض، وهي الجزئية التي تولى الرد عليها مدير مركز القاهرة للمؤتمرات حسن مسافر، مؤكداً على تمتع أرض المعارض الجديدة بخطوط مواصلات سهلة ويسيرة، نافياً ما تردد عن نُدرة المواصلات في منطقة التجمع الخامس، ومشدداً على أن الموقع الجديد أكثر ملاءمة، ما يعني أن السيف قد سبق العزل ولا جدوى من مسألة الاعتراض بعد أن باتت عملية النقل في حكم الواقع الفعلي.

أما المتغير الثاني الذي ستشهده دورة اليوبيل الذهبي، فهو يمثل إلغاء لسور الأزبكية، أحد معالم المعرض الرئيسية والمنفذ الوحيد لثقافة الفقراء، حيث تُباع فيه أمهات الكتب القديمة بأسعار زهيدة لتكون في متناول المثقف غير القادر، وهذا السور يمثل الطلاب والموظفون جمهوره العريض وقوته الشرائية، وبإلغائه يكون الكتاب قد خسر قطاعاً كبيراً من قرائه، وعلى الرغم من تصريحات رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده بأن تجار الكُتب هم من قاطعوا المعرض احتجاجاً على عملية التنظيم الجديدة، ورفضوا القبول بتخصيص 33 جناحاً لهم داخل الصالات الكبرى، إلا أن الأزمة مازالت قائمة، وهو ما حاولت بعض دور النشر تداركها بطرح إصداراتها القديمة بسعر يتراوح بين جنيه مصري واحد إلى جنيهين، وهذه المعالجة وإن ساهمت في التقليل من حدة الأزمة إلا إنها بالتأكيد تأتي في غــــير صالـــح التجار أنفسهم الذين يمثل المعرض موسماً مهماً لهم من الناحية الاقتصادية.

ويبقى أن ننتظر ما سوف تسفرعنه متغيرات الدورة الذهبية خلال الأيام المقبلة المزمع انطلاقها في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني المقبل.

٭ كاتب من مصر

التعليقات على خبر: معرض القاهرة للكتاب… بداية تسييس الثقافة وأزمة كتاب الفقراء

حمل التطبيق الأن